vendredi 10 février 2012

على آثار المؤسسين للدبلوماسية التونسية

احياءا للذكرى الثلاثين للإستقلال تناول الأستاذ الطيب السحباني استخلاص العبرة من مسيرة الدبلوماسية التونسية منذ استقلال البلاد.
محاور السياسة الخارجية التونسية:
 لم تكن الدبلوماسية التونسية وليدة الإستقلال بل سبقته  وواكبت مخاض الإستقلال والنطفة الأولى من الإستفاقة الوطنية. فلقد تزامن ميلاد الدولة التونسية مع ميلاد الدبلوماسية التونسية واسترجاع و تجسيد السيادة. وقد اتخذ العمل الدبلوماسي التونسي منهجية اجتمع فيها القول والفعل، التحرك الدبلوماسي والعمل الميداني.إن حركتنا الحزبية ما كانت لتنجح و تؤتي ثمرتها ما لم تتكامل الدبلوماسية التونسية بالعمل النضالي.
الدبلوماسية النضالية تلازم الحركة التحريرية:
 بدأت الإتصالات بالفاعلين على الساحة الدولية قبل الإستقلال، أيام كان المجاهد الأكبر الأمين العام للحزب،  و ذلك بغرض  تذكية الشعور في الخارج بأن الكيان التونسي الذي  تحد ى الإستعمار و محاولات هذا الاخير طمس و جوده و مسخه في الذات المستعمرة.  و توجه العمل الحزبي لإقناع  العالم بأن هذا الكيان الإستعماري قد انهار، وباستفاقة تونس من  سباة المتحفز لتجميع قواه من جديد ومحاولة التفاعل بينها والدول الأجنبية،   و خاصة من بينها العربية، و الولايات المتحدة الامريكية. أما  المشرق العربي وإن كان مفقود الفعل فلم يكن فاقد الذات.
و تقييما لضرورة التحرك الخارجي، وبعد تحين الفرصة السانحة، خرج الرئيس الحبيب بورقيبة من تونس وتوجه إلى القاهرة أين بادر بـتأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة. ثم بادرت تونس بفتح مكاتب لها في كل من نيويورك والهند و باكستان، و ماليزيا، وقد تم كذلك التوجه نحو تحسيس الرأي العام الحر الفرنسي لضرورة مساندة تونس في مطمحها للحصول على استقلالها. و قد تواصل العمل الخارجي خاصة  لدى الحكومات الصديقة  و حتى الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك العهد.
مرحلة الصدام الدبلوماسي مع فرنسا
توجهت تونس لتسجيل قضيتها لدى الامم المتحدة التي كانت تتخذ من فرنسا مقرا لها (Palais Chaillot) ، وقد تم   سجيل القضية وأخفقت تونس ثلاث مرات في ادراج دراستها من قبل المنتظم الاممي. وأمام إصرار تونس لتقديم قضيتها تيقن العالم أن هناك بلاد اسمها تونس ترمي إلى استتمام شخصيتها، و اخراجها من الأدران التي كانت تتخبط فيها.
وقد تواصلت الإتصالات بين الجانبين لحين اقتنعت فرنسا بضرورة منح تونس الإستقلال الداخلي والإقرار بأهليتها   وقد توجت الإتصالات لفصل الكيان التونسي عن الكيان الفرنسي. 
مظهر من مظاهر الإستقلال التونسي بعث وزارة الدفاع والوزارات الأخرى. توجت بإرساء وزارة الخارجية عملا على اظهار وجه تونس الفتية في النطاق الخارجي.
وقد كانت البعثات التونسية مراكز ثقة و محط أمانة يجب الإضطلاع بها. مدرسة تجسد فيها الإجتهاد المبني على الإخلاص والصدق والتجرد للمصلحة العامة. و إن بدا  إطار العمل الدبلوماسي غامضا و لكنه قد كان منارة لمن عمل فيها بإخلاص من أجل الوطن ولحشد أكثر ما يمكن من التعاطف الأجنبي حول بلادنا. وقد سعت بعثاتنا للعمل على الإستفادة و الدرس والتمحيص لما يجري في الخارج لإفادة البلاد بذلك.
تونس بلد ضعيف، توجيه عناية الدول القادرة  لمساعدة تونس للتغلب على مخلفات الإستعمار.
كانت رسالة أخرى للعالم بعيدة المقاصد و هي السعي لأن يكون وجه تونس أمام العالم جميلا و محببا. و محاولة ابراز الكيان التونسي  محتشما و لكن ابرازه كذخيرة من القدرات الكامنة التي تنتظر و تتحفز لمشاركة العالم في الرسالة العالمية والإنسانية ومعالجة المشاكل التي تعوق الإنسانية.
لم تكن تونس جشعة و لكن معطاءة منذ البداية استرعت اهتمام العالم. في الأشهر الأولى أختيرت عضوا خامسا في مهمة بحث واستقصاء في قضية بولونيا معارك (Poznan المنجي سليم ). ثم لم تمضي أشهر قليلة حتى دعيت تونس للقيام بمهام أخرى: قضية التحرير في إفريقيا. و قد أوردت تونس في دستورها  أن غاية سياستها الخارجية الدفاع عن الحرية البشرية و حق تقرير المصير.
دخلت تونس بجميع إمكانياتها واكتسحت الميدان و إذا بها تجمع الحركات التحريرية     و تنطلق بها. دخلت إفريقيا محاربة : المساهمة  بفيلق من جنودها إلى الكونغو للدفاع عن إستقلالها. المشاركة في تمويل حركات التحرير بالمال والسلاح والرجال. فضل تونس على كل من أنغولا و الموزنبيق لا ينكر. أوصلنا السلاح إلى الأدغال بوسائلنا الخاصة   و برجالنا. كما ساهمت تونس بما أوتيت لدعم قضية تحرير  الجزائر، ثم في ميدان تحرير إفريقيا و قد تم  تبادل مراسلات بين بورقيبة و ديغول مما أوصلنا إلى الحرج. قضية الإعتراف بموريتانيا (المغرب درس لاستقلال تونس).مع العراق في خصوص الكويت معركة سياسية و لم تكن لنا معرفة بالكويت و قد تبنت تونس تقديم مطلب الإعتراف بهذه الدولة الفتية في  المنتظم الأممي.
قضية الوحدة العربية:
 من أهم المشاكل التي عالجتها ولاتزال تعالجها الدبلوماسية التونسية.
خلال الفترة التحريرية التوجه لفكرة الوحدة، و لكن راينا كيف دخلت في مفاهيم ادتها إلى المساس بالسيادة مع محاولات الهيمنة من قبل بعض الدول العربية، مما أدى بالفكرة إلى توليد مآزق. و إن كانت الوحدة هدفا ننشده لا يجب أن يبقى مجمدا يدعا له و لا يعمل لبلوغه. مفهوما شاخصا لا يتعامل مع التطورات في فهم.
الدبلوماسية قول صادق و عمل نزيه ومن هنا ندرج سر التماوج في العلاقات العربية التمسك بالميدان.
محور أن تونس ليس لها موقع جغراسياسي، جغرافي تاريخي و حضاري كما لها مصالح تربطها بالجبهة الشمالية التي تواجهها. الجبهة الغربية لها كذلك مصالح. كيف المراعاة المصالح لهذه الجهات و مصالحنا. إيجاد الارضية المشتركة، القاسم المشترك دون المس بالسيادة والكرامة.
في محاورنا الاساسية في الحدود التي لا يجب أن نتجاوزها لعدم تجاوز مصالح هذه الجبهة و لا مصالحنا.
تونس في نقطة حساسة من العالم، محط أنظار، البحر الابيض المتوسط المنطلق الذي انتشرت عبره الحروب في التاريخ. كل الشعوب لها إهتمامات متوسطية. و نمسك بمفتاح هذا البحر. يزاحمنا فيه الغرب بسلاحه و عتاده. و هو ما جعل تونس ضمانا لامنها تنتهج سياسة عد م الإنحياز. فعدم الإنتماء لشق معاكسة لشق آخر.
تونس لا تعطي أولوية  للبلاد الشيوعية و لا تعطي للغربيين أولوية عليهم. أما في البحر الكبير نحاول أن نقنع العالم بمراعاة حق السلام في هذا البحر.عملا بمبدإ عدم الإنحياز. هل طبق بحذافره.هو في تعثر.
مجموعة دول نامية ، صغيرة، ضعيفة، في حاجة للمساعدة، وتستعمل للضغط، للإستفادة جهويا واقتصاديا.
الدول الصغيرة تضطر" إذا خلى البطن انتفى العقل"، إلى تنازلات تمس بالسيادة.  الحركة تحت الضغوط هذا المحور منبر يمكن من إبعاد شبح الحرب عن طريقه. وضع تونس كوضع البلدان النامية،
محور البلدان النامية  : كيف نجعل من البلاد النامية قوة تعمل لفائدتها لا سوقا للبلدان المتقدمة. هنالك و جوه شبه بيننا إذا ما تظافرت الجهود جماعيا للعمل يمكن مجابهة الدول الطاغية. مجابهة القوة بالخبرات وبالبشر و قوة بالسوق والمال المتدفق من البلدان الفقيرة،، إذا ما تجمعت يمكنها من ارضاء مطامحها هل نوفق؟ 
واجب الدبلوماسية هو رعاية هذا الميدان ففي نجاحه نجاح للكل.
الدبلوماسية التونسية نضالية متحركة و عاملة في صميم المشاكل تعمل على جمع التعاطف الدولي وتنسيق الجهود.
نفس هذه الإشكالية تعالج في مختلف الميادين و هذا يوصلنا للترابط بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية.
وضعنا الداخلي يعطي  مصداقية لسياستنا الخارجية.
سلوك السفراء و سياستنا : ليس المتنطع والمتدخل في شؤون الغير بل السلوك الرصين  الذي يراعي مصلحتنا و لا ينسى مصلحة غيره و لا يتدخل في سياسة غيره مما جلب التقدير والإحترام لتونس ، وهو ما يحتم وجوب التمسك بهذا الخط.
طريق الحكمة أفضل من التهور، المنافسة كبيرة، الميادين التي تبرز فيها الدبلوماسية تعقدت منافسة و بروز صدام بين الشمال والجنوب أخذ في التوسع كل مشكل يتفرع على مائة مشكل
ضرورة التريث في بعض الأحيان و هذا من باب الحكمة. العمل لوضع أقوى الدول في زاوية حرجة حتى لا تستعمل الفيتو على مبادرات الدول النامية. ديناميكية الدبلوماسية غيرت من مظهرها نتيجة رشد.
مجموعة ال77 تجاوزتها الأحداث.
"المصلحة كالحكمة ضالة ننشدها".
محاضرة ألقاها السيد الطيب السحباني في 21 مارس سنة 1986.