عند نهاية حرب الخليج الأولى في فيفري 1991 عهد لي بعد القيام بإجراءات التأشيرة والسفر بإعادة فتح سفارة تونس بالكويت، التي أغلقت بعد إجبار السلطات العراقية المحتلة كافة البعثات الدبلوماسية المعتمدة بالكويت على مغادرتها نهاية شهر أوت 1990، و من بين المؤاخذات على تونس وقتها، من قبل دولة الكويت، أنها الدولة العربية الوحيدة التي لم تشارك في القمة العربية الطارئة التي نظمت بالقاهرة لرؤساء الدول العربية يوم 4 أوت 1990 لدراسة احتلال العراق للكويت والموقف الموحد منه، بعد مشاركة وزير خارجية تونس وقتها السيد إسماعيل خليل في الإجتماع التحضيري للقمة العربية. و يذكر السيد اسماعيل خليل أنه كان من بين من ساهم في صياغة البيان المنبثق عن الإجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية التحضيري للقمة المعنية.
و قد كان الكويتيون ممتعضين من موقف تونس حيال حرب الخليج و يعتبرونها من بين الدول الضد، خاصة و أنها لم تنضم لقوات التحالف التي شاركت في تحرير الكويت. على أن وزير الخارجية الكويتي وقتها المغفور له الشيخ سالم صباح السالم الصباح قد كان من بين من رجح قرار تمكين تونس من إعادة فتح سفارتها، كما ذكر لي ذلك، بعد تقييمه أنه يحمل الواجب التاريخي والمسؤولية الأدبية العائلية للمحافظة على العلاقات التونسية الكويتية باعتبار أن والده أمير الكويت الأسبق، الشيخ صباح السالم الصباح قد كان من بين المؤسسين لوضع قواعد التعاون و لانطلاق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وأرسى دعائم العلاقات الأخوية الوطيدة، بين بلدينا.
و قد التحقت بالكويت عن طريق البر انطلاقا من المملكة العربية السعودية خلال شهر أفريل 1991 حيث تحصلت تونس على تأشيرة تمكيني من دخول الكويت لغاية إعادة فتح السفارة، و لا أخفي أنني قد كنت و زميلي المرافق لي في هذه المهمة غير مرتاحين لطبيعة الإستقبال الذي قد لا يكون دبلوماسيا تجاهنا خاصة و قد كانت التوصيات بعدم التحلي بأية حساسية مما قد نتعرض له في هذه المهمة الدقيقة.
و قد مر العبور بسلام، رغم ملاحظة عون الجمارك السعودي عند العبور، الكويتيون لا يريدونكم، و بعد اجراءات العبور توجهنا نحو الحدود الكويتية ومنها رأسا على السيارة برا نحو مدينة الكويت و تحديدا لإقامة السفير التونسي بالكويت أين احتفظت تونس بحارس بالمقر، بعد المرور بالمدن الحدودية التي كانت مقفرة و علامات الدمار في كل مكان كما اعترضتنا في الإتجاه المعاكس على الطريق السيارة المؤدية من الرياض بالسعودية لحد مدينة الظهران على الحدود الكويتية جحافل آليات قوات التحالف المغادرة.
و مع اقترابنا من العاصمة الكويتية التي وصلنا إليها على الساعة الثالثة بعد الظهر كانت السماء مدلهمة بالسحب الحاجبة للشمس من شدة الدخان الصادر عن آبار البترول المحترقة التي خلفها الجيش العراقي.
و كم كان ابتهاجنا عند وصولنا لبيت إقامة السفير التونسي لسلامته من التخريب، ولسلامة الحارس التونسي الجنسية، و قد أخذنا معنا الحارس و توجهنا رأسا لمقر السفارة التي كانت قد تعرضت لعبث الجيش العراقي بمحتوياتها و خزائنها المدرعة حيث تم قطع الكهرباء والاستيلاء على خزانات المياه التي بدونها لا يمكن التزود بالمياه كما لاحظنا استيلاء القوات العراقية المنسحبة من الكويت على خمس سيارات لأعضاء السفارة والبعثة كذلك. كما أن الشقة الشخصية التابعة لي في حي السالمية بمدينة الكويت قد تعرضت للسطو على محتوياتها في حين سلمت سيارتي الخاصة من السرقة، على عكس السيارات المودعة بالسفارة، ووجدتها كما تركتها رابضة بمأوى السيارات خلف عمارة سكني و تمكنت من إعادة استعمالها.
و بطبيعة الحال فقد كانت أولى مهامي التواصل مع وزارة الخارجية التي اتخذت وقتها نزل هلتن كمقر وقتي لبعض مكاتبها وخاصة مكتب التشريفات الدبلوماسية، في حين انتقلت الوزارة إلى قسم من قصر منطقة بيان الذي تجمعت فيه عدة مصالح وهو القصر الذي كان مخصصا كمقر عمل أمير دولة الكويت المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أخ الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ومقر الديوان الأميري، الذي كان يرأسه وقتها الشيخ ناصر الأحمد ، رئيس الوزراء الأسبق، الذي كان صديقا لتونس و متمكن من اللغة الفرنسية. و بالطبع فلم يخفي مدير التشريفات عند لقائي به عتابه و عدم ارتياح الكويت لموقف تونس من حرب الخليج مستدركا أن العراق والعراقيين أقرب لهم منا و أنهم أدرى بشؤونهم، طالبا مني التريث قبل مباشرة المهام كقائم بأعمال السفارة لحين إقرار ما تراه السلطات الكويتية في الخصوص.
أما عمليا، فقد باشرنا بعد قرار تمكيننا من مباشرة مهامنا من قبل الحكومة الكويتية بالتواصل بمتعاونينا بالكويت و خاصة من بينهم المهندسين بشركة الكهرباء والماء الكويتية الذين تولوا إعادة تشغيل الكهرباء بمقر السفارة في حين قام أحد مواطنينا العاملين بالكويت ببناء خزان حديدي يمكننا من استعمال المياه بالمقر المذكور. و قد كان رفع العلم فوق مبنى كل من بيت الإقامة والسفارة أول ما بادرنا به كإنجاز لتأكيد السيادة مع توجسنا من احتمالات تصرف الكويتيين حيال رفع علم تونس بالكويت.
و تفاديا لكل تأويل لعملنا فقد أمرت أن تبقى أبواب السفارة مفتوحة لاستقبال كافة المراجعين والزائرين من بين مواطنينا والكويتيين وغيرهم من المهتمين بالتعامل مع السفارة و مختلف مصالحها.
و قد نقل لي بعض الأصدقاء من الكويتيين أن بعض رواد ديوانية المغفور له الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء قد عبروا له عن امتعاضهم من رفع علم ما ذكروا أنه العدو بالكويت وقد كان موقف سمو ولي العهد وقتها المغفور له أن سألهم و هل أن علم الكويت غير مرفوع بتونس و قد أجابوه بالتأكيد. و من يومها استمر علم تونس مرفوعا شامخا راية سيادتنا و رمز كفاحنا و تضحيات شهدائنا.و عجبا ما نسمع عن استخفاف البعض، من اللاوطنيين المشعوذين برمز استقلالنا ووجودنا الدولي ومن سقط من أجل إعلائه و شموخه شهداء من أبناء تونس البررة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire