غريب الدعوة لإسقاط النظام. فهل نحن دعاة فوضى و هل يستقيم المجتمع دون مجتمع الغاب بلا نظام. و هل تستقيم المجتمعات دون أخلاق و مبادئ.
فالعدل أساس العمران والعدوان والغلبة أساس قانون الغاب و دولة المبادئ البدائية المحتكمة للقوة المادية و هيمنة الطغاة.
و إن جسدت الغرائز البدائية الحرية الحيوانية في صراعها مع قوة الطبيعة و شراسة المقاومة من أجل البقاء فإن البقاء تطويع لعناصر الطبيعة و نزاع مع الإرادات المقابلة لإرادة الفرد.
فإذا ما كان التعدي على الآخر بما تيسره القوة على مصالحه فإن عناصر الإستقواء لا تستقيم دون قيام عصبيات جماعية لحمايتها و دعمها. وهو ما يعرض الجماعات لصراعات دائمة لتغليب مصالحها و إرادتها على بقية المجموعات.
و لا تستقيم أية مجموعة دون تقاسم منتميها لقواعد الإشتراك في المصالح والعصبية والمبادئ. كما أن ضمان استتباب قواعد البقاء لمجموعة ما لا يستقيم دون التوافق مع بقية المجموعات لضمان تعايشها المقام على الهيبة المتبادلة لشوكتها.
و تفرز النزاعات بين الجماعات و داخلها قواعد سلوكية تنظمها قوانين زجرية و جزائية لفضها و لإعادة التوازن لعلاقاتها و معاملاتها.
و هو ما يجعل هذه الجماعات تحتكم بقدر تطورها لأنظمة سلوكية و لقواعد عرفية تحكم علاقة الفرد بالمجموعة و علاقات المجموعات التي تتحول بحكم النزوع للإستقرار و ضمان المكاسب من التطاحن و العدوانية إلى التعايش فتبادل المنافع والعمل المشترك على درء المخاطر.
و إن كانت العصبية والمصلحة محرك الاجتماع والانتماء للمجموعات البشرية فإن نظم و قوانين العيش والتعايش العرفية داخل المجموعات و بينها وسيلة بقائها و تطورها.
فإذا ما كان العدل أساس العمران فإنه لا يستقيم دون نظام يكرسه مهما كان اختلاف مصالح و غايات الأفراد والمجموعات. فمن دعا إلى إسقاط النظام فقد دعا لنهاية الاجتماع و المجموعة و نهاية المجتمع واندثار الأمة وآل لقيام مجتمع الغاب و عموم الفوضى و خراب العمران والخسران الحضاري والثقافي للمجموعة البشرية المعنية.
فالحوار هو سبيل البناء الحضاري والتعايش بين الشعوب و داخل المجتمعات البشرية لا يستقيم أي بناء تنموي شامل دون تكريسه. كما أن ضمان حقوق المواطنة والمشاركة الفعلية في البناء السياسي و خيارات الإجتماع الأساسية، يحقق المساهمة الشعبية في التوجهات الوطنية وانخراطها لدعمها و تحمل تبعات نجاحها أو إخفاقها المحتمل و في تعديل مساراتها بالتوافق الجماعي بمنأى عن كل تطاحن و تناحر يعرض المكتسبات المشتركة للإتلاف الموهن لقدرات تنميتها و مناعتها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire