الأزمة اليمنية
"ذكر ابن خلدون في الفصل التاسع من مقدمته : في أن الأوطان الكثيرة
القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة والسبب في ذلك اختلاف الآراء والأهواء
وأن وراء كل رأي منها وهوى عصبية تمانع دونها فكثر الإنتقاض على الدولة والخروج
عليها في كل وقت و إن كانت ذات عصبية لأن كل عصبية ممن تحت يدها تظن في نفسها منعة
و قوة."
I-العناصر الأساسية في الأزمة اليمنية
1-التمرد الحوثي.
واجه اليمن خلال العشرة سنوات الأخيرة أزمات متعاقبة وتحديات متعددة الأوجه
مثَّل التمرد الحوثي أحد أخطر عناصرها حيث أنهك قواها واستنفد مواردها واستهلك
قدرات كان بالإمكان توظيفها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في حروب ارتهنت
استقلاله ونسيجه الاجتماعي واستهدفت أمنه
واستقراره ومقومات نظامه الجمهوري كما استهدفت الشرعية المؤسساتية لقيادة أغلب دول
الخليج العربية.
2-الحراك الجنوبي.
و يمثل الحراك الجنوبي، رغم إعادة توحيد اليمن، التي عقبت الحرب على الانفصاليين سنة 1994، أحد عوامل عدم
استقراره خاصة وقد خير، أغلب رموزه و خاصة من بينهم على سالم البيض آخر رئيس
لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب، مغادرة البلاد واللجوء السياسي بعمان،
حيث انتهى به المطاف للحصول على الجنسية العمانية. في حين تحول بقية المعارضين
أساسا لدول الخليج وبعضهم لسوريا و روسيا و غيرها من الملاجئ الغربية للسياسيين بالخارج.
ولم يتسنى تجاوز هذا الشرخ بين مهندسي وحدة الشمال والجنوب للجمهورية اليمنية المنجز في 22 ماي سنة 1990 لحد قيام ثورة الشباب والإطاحة بصالح.
و إن اضطلع، بعض نخب الجنوبيين، بمهام قيادية بعد إعادة توحيد اليمن وحرب
الإنفصال سنة 1994 في النظام السابق، فقد اقتصر ذلك على عناصر كان لها دور هام في قيادة
الجيش والدولة و من بينهم الرئيس الحالي
للفترة الإنتقالية عبدربه منصور هادي الفضلي الذي شغل لردهة من الزمن(1994-2012) خطة نائب رئيس
الجمهورية اليمنية، وخطة نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام وأمينه العام منذ سنة
2008 لحين قيام ثورة الشباب وتخلي علي عبد الله صالح عن السلطة في فيفري سنة 2012.
(وهو من مواليد 1سبتمبر 1945 بأبين المحافظة المطلة على بحر عدن الملاصقة لمحافظة
عدن. بالجنوب). أو عبد القادر باجمال، رئيس الحكومة السابق لثلاث دورات الذي شغل
خطة وزير خارجية اليمن الجنوبي قبل التوحيد ثم شغل خطة وزير خارجية حكومة
الوحدة. وهو أصيل حضرموت و إن ولد بصنعاء
وهو كذلك من قيادات المؤتمر الشعبي العام(الأمين العام).
وقد قامت الحرب الأهلية على دولة الوحدة (1990/1994) للإنفصال من 21 ماي
1994 إلى 7 جويلية 1994.
حيث ظل أهالي الجنوب يشعرون بحيف وضيم لسيطرة الشمال على موارده ومراكز
النفوذ بأغلب هيئاته الرسمية الإدارية منها والإنتخابية وكذلك لتهميشه إقتصاديا
رغم أهمية موقعه على باب المندب و نشاط ميناء عدن الدولي. وقد مثلت ثورة الشباب
منطلقا لقيام مظاهرات عارمة جنوب اليمن داعية
للإنفصال و لإعادة إحياء جمهورية اليمن الديمقراطي بالجنوب و رفع علمه السابق
والمناداة برجوع رموز الإنفصاليين المهجرين و خاصة من بينهم علي سالم البيض.
في حين ساند علي ناصر محمد عضو الجبهة القومية والحزب الإشتراكي اليمني عند
تكوينه سنة 1978 الشمال في حربه مع الإنفصاليين سنة 1994، وقد شغل خطة رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية(21
أفريل 1981 إلى 24 جانفي 1986 و خلفه علي سالم البيض، لتاريخ انجاز الوحدة، على
أنه قد كان من بين الشخصيات التي انضمت إلى المعارضة لعلي عبد الله صالح خلال الإحتجاجات "الشبابية
اليمنية" سنة 2011، حيث شارك في المجلس الإنتقالي اليمني الذي يعد 17 عضوا
وأنشأ لمعارضة حكم الرئيس السابق.
أهم محطات التاريخ اليمني:
لعل تاريخ اليمن القديم يقدم مثالا واضحا لدور الموقع الجغرافي والتضاريس
والمناخ، في تحديد مجرى التحولات البشرية سياسيا واجتماعيا وثقافيا ومصيرها. فقد
جعل الموقع الجغرافي على المحيط الهادي وبالتحديد طريق الحرير البحري، الذي كانت أحد
محطاته، لما توفر لديها من منتجات مثل البخور والمر واللبان، انتاجا وجلبا وتسويقا،
والتي كانت سلعا دولية لارتباطها بالطقوس الدينية، مكنتها من السيطرة على حركة
التبادل التجاري في العالم القديم.
525م إحتلال أبرهة الحبشي لليمن و إقامة كنيس القليس بها لمنافسة الكعبة.
على أن الفرس الذين قدموا العون
لطرد الأحباش من اليمن هيمنوا عليها لحين ظهور الدولة الإسلامية، التي أصبح اليمن
جزءا منها، وساهم شعبه في فتوحاتها وامتزج تاريخه بتاريخها القديم والمعاصر وتقاسم
معها هناتها وقليلا ما لحقته خيراتها."
الإستعمار البريطاني لعدن، سنة 1839،
والإحتلال التركي(العثماني)
للحديدة وقمران سنة 1848،
تعاقبت الأحداث وتسارعت وتعمقت دمويتها بافتتاح قناة السويس سنة 1869، الذي
سهل تحرك جنود الاتراك من اليمن و إليه، و سهل تحرك جنود الإمبراطورية من عدن و
إليها مما أتاح التوسع للنفوذ التركي من جهة، و للبريطاني من جهة أخرى.
واجه اليمن إلى جانب الاحتلال البريطاني والتركي تهديدات من
فرنسا و إيطاليا وألمانيا والإمبراطورية النمساوية الهنغارية، و مطالبات بنفوذ من
قبل الإتحاد السوفياتي من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، و ذلك
يدلل على الأهمية الإستراتيجية والأمنية لليمن في هذه المنطقة الحساسة من الوطن
العربي جنوب الجزيرة العربية والذي يحده
غربا البحر الأحمر و بحر العرب، و مفصلها المتحرك تجاه إفريقيا و آسيا.
ولعل الرحلة اليمنية للشيخ عبد العزيز الثعالبي تطلعنا على ما وجد عليه هذا
البلد حين قيامه بزيارة المنطقة من الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية سنة
1924 بين شهري أوت و أكتوبر في حين كانت الجزيرة
مجزأة إلى سلطنات ومستعمرات وإمارات مشتتة بعد انهيار الدولة العثمانية سنة
1918 وإلغاء أتاتورك الخلافة في 3 مارس 1924و إعلان قيام الجمهورية في تركيا وهو
ما لم تستسغه الممالك السابقة التابعة لنفوذها والسعي لتنظيم مؤتمر إسلامي و البحث
لإعادة إحياء الخلافة وقد كان هذا المسعى من إحدى غايات زيارته إلى جانب مساعيه
لتوحيد اليمن وتفعيل دوره العربي الإسلامي.
ضم عسير للمملكة السعودية: العقدة التاريخية في العلاقات اليمنية السعودية.
رفض الأمير الحسن الإدريسي الإعتراف بسلطة الإمام يحيى على (عسير) اثر جلاء
الأتراك عن اليمن سنة 1918 دخل الإمام
يحيى في نزاع مع ملك الحجاز و سلطان نجد عبد العزيز ابن السعود . وسيتمكن سلطان
نجد عبد العزيز بن السعود من احتلالها و ضمها إلى مملكته سنة 1926. غير أن الإمام
يحيى لم يعترف بالأمر الواقع و ظل يطالب إلى آخر حياته بتوحيد جميع أجزاء اليمن
ووضعها تحت سلطته. وقد ضغطت بريطانيا على الملك عبد العزيز لمنعه من وضع يده على
اليمن الشمالي الذي كان يفصل بين الحجاز و مستعمرة عدن والذي سيفضي سنة 1934 إلى
ابرام اتفاقية بين ممثلي الإمام والملك عبد العزيز تتضمن الإعتراف من قبل الإمام
بضم السعودية لعسير مقابل إعتراف السعودية بسيادة الإمام يحيى على اليمن الشمالي.
و سيثير موضوع الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية، رغم توصل
البلدين لاتفاق ترسيمها، خلافات و نزاعات ما زالت آثارها باقية و لعل الحراك
الحوثي وتفاعله مع أقليات شيعية على الحدود مع المملكة يثير القلق والريبة في
أمكانية إعادة إثارة هذه القضية لتضاف إلى هاجس مقاربة هذا الحراك بخصوص مشروعية
الحكم ومسألة الإمامة، جوهر الخلاف السياسي والصدام المذهبي بين حركية وهابية
مكتسحة وحركية حوثية وجدت في حالة الوهن المركزي وانهيار دواليب الدولة مجالا
لانتشارها وتضخم مشروعها.
دخول المذهب الشيعي لليمن
فإذا ما ثارت صنعاء على الخلفاء الأمويين والعباسيين فقد خضعت اليمن سنة
1074 إلى سلطة الخلفاء الفاطميين الذين أخذوا في نشر المذهب الشيعي إلى جانب
المذهب السني الشافعي.
لقد شهد تاريخ اليمن المعاصر ثورات متعاقبة استهدفت نظام الإمامة الذي عقب
انسحاب الاحتلال العثماني لليمن الشمالي وقد تميز بإحكام استعمال القوة للهيمنة
والسيطرة على شعب بطبيعته ثائر ساهم في نشر الإسلام و فتح القارات لانتشاره و قاوم
الغزاة العتاة من أتراك شماله وبريطانيا و فرنسا و إيطاليا جنوبه.
ثورات متعاقبة على حكم إمامي:
وفي سنة 1948 اندلعت في ضواحي صنعاء ثورة شعبية
على الإمام يحيى احتجاجا على سياسته الإستبدادية و أسفرت عن اغتياله و فرار أكبر
أنجاله الأمير أحمد، و تشكيل حكومة جديدة برئاسة عبد الله الوزير.
تضافرت جهود كل من عبد العزيز بن السعود وفاروق ملك مصر و عبد الله أمير
شرقي الأردن وعبد الإله الوصي على عرش العراق، لمساعدة سيف الإسلام أحمد على قمع
الثورة واسترجاع عرش أبيه والقضاء على عبد الله بن الوزير. عين بعد اعتلائه العرش
ابنه سيف الإسلام البدر وليا للعهد مخالفا المبادئ والتعاليم الزيدية التي تقتضي
أن تكون الإمامة بالإنتخاب والمبايعة من أهل الحل والعقد، وليس بالتعيين والوراثة.
كما قام بقتل أخيه سيف الإسلام عبد الله الذي يذكر أنه كان معروفا دوليا بسعة
اطلاعه و حسن سلوكه.
نقل عاصمة الإمامة من صنعاء إلى تعز
وتفاديا لحالة الثورة الدائمة التي كانت توصف بها صنعاء فقد نقل عاصمة
إمامته منها إلى تعز مواصلا سياسة أبيه القمعية والإستبدادية. وفي سنة 1955 تعرض
الإمام أحمد لمحاولة اغتيال أصيب اثرها بكسور في رجله، فوض اثرها الكثير من
صلاحياته إلى ولي العهد الأمير البدر الذي تقرب أكثر فأكثر من الرئيس جمال عبد
الناصر و أبرم معه سنة 1959اتفاقية الوحدة-ولكن بصورة شكلية- بين اليمن والجمهورية
العربية المتحدة التي كانت تجمع بين مصر و سوريا.
إعلان الجمهورية اليمنية سنة 1962
إثر وفاة الإمام أحمد يوم 19 سبتمبر 1962 اندلعت الثورة في صنعاء يوم 26
سبتمبر وأفضت إلى الإطاحة بالإمام الجديد سيف الإسلام البدر الذي فر إلى شمال
البلاد ملتحقا بالقبائل التي بقيت موالية له. و في صنعاء أعلن عن سقوط حكم الأئمة
و قيام النظام الجمهوري، و عين قائد الثورة عبدالله السلال رئيسا للجمهورية
اليمنية، فاندلعت في اليمن حرب أهلية طاحنة بين الجمهوريين الذين ساعدتهم مصر
دبلوماسيا و عسكريا، و بين الإماميين الذين ساندتهم كل من المملكة العربية السعودية والمملكة
الأردنية الهاشمية، واستمرت الحرب إلى سنة 1969 لحين اعتراف الجميع بالجمهورية
العربية اليمنية.
وفي نفس السنة اعترفت بريطانيا باستقلال عدن والمحميات التابعة لها في جنوب
الجزيرة العربية، وقد أطلق عليها اسم الجمهورية اليمنية الديمقراطية والشعبية و
عاصمتها عدن والتي ستكون في فلك الإتحاد السوفياتي آن ذاك.
وقد كان لتتالي انهيار الأنظمة الإشتراكية واضمحلال الإتحاد السوفياتي أثره
المعنوي في القيادة الجنوبية التي فقدت بانهيار المعسكر الشرقي حليفا وسندا دوليا
جعلها تبحث عن البديل جهويا ودوليا، وتعاقبت عديد دورات المفاوضات بين شطري اليمن في
حين سعت لإحباطه السعودية وأطراف قبلية مؤثرة غير متحمسة لتحقيقه توجسا من الكيان
الجديد نظرا لحجمه و توجهاته الفكرية والتنظيمية الإشتراكية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire