samedi 20 août 2016

الأزمة اليمنية (الجزء الخامس والأخير)



V-المخاطر الأمنية:
تحديات أمنية كبيرة خلقها انقلاب المتمردين الحوثيين وصالح أبرزها الفراغ الذي استغلته ميلشيات متطرفة بعضها طائفي وبعضها مناطقي، فأبرز الميلشيات التي استغلت ظروف الحرب هي الجماعات الجهادية المنتمية لتنظيم القاعدة بعضها تحت مسمى ( أنصار الشريعة) والبعض الآخر تحت مسمى ( دولة العراق والشام الإسلامية – داعش) .
حول ( داعش) يذكر أن " هناك غموضا يلف التنظيم الذي استطاع استقطاب بعض الشباب النازحين والمقاتلين رغم أن غالبية قياداته لم تشارك في الحرب ضد الحوثيين بخلاف المنتمين للقاعدة"، مشيرا إلى أن التنظيم الذي يقدر عدد أفراده بالمئات يمتلك 3 معسكرات تدريب في عدن ولحج وحضرموت.  وحسب المعلومات الأولية فأن ضابطا ينتمي لجهاز مخابرات صالح وأحد أقارب اللواء الذي يوصف بأنه القائد العام لقوات الانقلابيين المسلحة يقدم تسهيلات واسعة لداعش عبر غرفة عمليات خاصة ما جعلها تحصل على أسلحة وآليات ومدرعات من بينها 19 دبابة ، حصلوا على عشر منها كفيد متاح تركها الانقلابيون ، فيما تم تسهيل شراء تسع دبابات أخرى من فصائل حراكية جنوبية بلغ قيمة الواحدة منها حوالي 50 ألف دولار". 
وعن تحركات داعش  " فيتحرك أفراد داعش بشكل علني بأعلام وميكرفونات ولديهم معسكرات معروفة كمعسكر القوات البحرية سابقا في عدن ومعسكر آخر في البريقة بالقرب من مصفاة النفط والميناء ، كما لديهم معسكر بمديرية الحد بيافع التابعة لمحافظة لحج وآخر في منطقة سر بسيؤون بمحافظة حضرموت، ويتجنب قادة داعش الظهور إعلاميا لكن الدوائر المقربة منهم تتحدث عن شخص يكنى أبو محمد العدني هو من يقود التنظيم الذي يضم داخله خبراء اجانب بعضهم فرنسيين وسوريين متخصصين في تدريب المجندين والإنتاج السينمائي والاعلامي، وقد بثوا مقاطع فيديو لعمليات قتل بشعة".
و هناك نقاطا ساخنة تنبئ بمواجهات بين داعش وانصار الشريعة التي يقودها جلال بلعيدي المكنى ( أبو حمزة الزنجباري) والذي يسيطر تنظيم قاعدة الجزيرة العربية على اهم مفاصل جماعته ويرفض مبايعة أمير داعش أبوبكر البغدادي.
وفي" مطلع ديسمبر الجاري سقطت عاصمة محافظة ابين زنجبار ومدينة جعار مرة أخرى بيد انصار الشريعة الذين كانوا قد اسسوا إمارة إسلامية في 2011م بزنجبار عاصمة أبين وتم إسقاطها بعملية عسكرية بين الجيش اليمني واللجان الشعبية في 2012م، وأن أهم أسباب استعادة القاعدة للسيطرة على أبين هو الفراغ الذي خلفه عدم دمج المقاومة في الجيش الوطني والممارسات السيئة للجان الشعبية هناك".
ويذكر أن  " ما يميز أنصار الشريعة والقاعدة في سيطرتها هذه المرة على أبين هو أن غالبية مجنديها شباب من ذات المحافظة وتم استقطابهم أثناء وبعد مواجهة الحوثيين، على رأسهم شاب يدعى محمد الشكماء في العشرينيات من عمره عينه بلعيدي قائدا على كل محافظة أبين بعد ان كان قائدا على زنجبار فقط في السيطرة السابقة ".
وقد أتى هذا التوسع للقاعدة  بعد سيطرة أنصار الشريعة على عاصمة حضرموت في أفريل الماضي، وقد " ساهمت قيادات مدنية وعسكرية وامنية محسوبة على نظام صالح في تسليم المكلا والمنطقة العسكرية الثانية لأنصار الشريعة ، بهدف استفادتهم من مخازن السلاح والصواريخ لارباك عمليات التحالف وخلط الأوراق في المنطقة الشرقية التي كانت شبه مستقرة ولم يصل الحوثيون إليها ".
 " كما ترك نظام صالح محافظة أبين أرضا مباحة للقاعدة انتقاما من ثورة 2011، فإنه من المتوقع أن يحول حضرموت أرضا محروقة لمعارك التنظيمات الإرهابية انتقاما من الهزائم المتتالية على يد التحالف".
تأتي مفاوضات جنيف الثانية  وهناك مستجدات سياسية وعسكرية وامنية على الساحة اليمنية، فعلى المستوى السياسي المعادلة تغيرت حيث يتكيء الرئيس هادي على انتصار سياسي يتمثل في عودة الشرعية إلى عاصمة اليمن المؤقتة عدن بعد تحرير المحافظات الجنوبية وأجزاء من محافظات تعز ومارب والجوف والبيضاء بينها باب المندب والجزر المحيط به ".
رابعاً: مواقف الأطراف الإقليمية والدولية تجاه الأزمة اليمنية
1. السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي: تاريخياً تولي السعودية اهتماماً كبيراً لمجريات الأوضاع في اليمن كدولة جوار لاعتبارات سياسية وأمنية، واحتفظت المملكة باستمرار بعلاقات قوية وتأثير واضح في التوجهات السياسية اليمنية. وحينما شهدت البلاد ثورة شعبية واحتجاجات واسعة استمرت شهوراً في العام 2011 ضد النظام الحاكم في اليمن، دعمت السعودية حليفها –سابقاً- علي عبدالله صالح قبل أن تلعب دوراً مهماً في بلورة صيغة سياسية انتقالية عبر المبادرة الخليجية التي تخلى صالح بموجبها عن الرئاسة لنائبه منصور هادي.
كان الأمير سلطان بن عبد العزيز يتولى الملف اليمني منذ الستينيات حتى وفاته، وكان يرأس لجنة خاصة تُعنى بشؤون اليمن، وبعد وفاته اضطرت سياسة المملكة إزاء اليمن بسبب تبعثر الملف اليمني لدى الحكومة السعودية، وتراجع العلاقات السعودية مع "حزب التجمع اليمني للإصلاح" ومع آل الأحمر شيوخ قبائل حاشد أكبر القبائل اليمنية، وذلك بسبب تطور الموقف السعودي من ملف الإخوان المسلمين عموماً، وخاصةً في مصر، الأمر الذي أدى إلى تراجع الاهتمام السعودي بالشأن اليمني باستثاء عمل المملكة على منع أي اختراقات مصدرها اليمن لأمن السعودية، وتحديداً من طرف "تنظيم القاعدة" في اليمن. وبمبايعة الملك سلمان ملكاً للبلاد، وهو الذي أجرى تغييرات مهمة في مطبخ صناعة القرار السعودي، أصبح الملف اليمني  أحد أركانها.
وهو ما تبدو بوادر أولية له بعد خروج الرئيس هادي إلى عدن وانعكاس ذلك في الموقف الخليجي الداعم له كرمز للشرعية.
2. إيران: دعمت إيران الجماعة الحوثية منذ بداياتها، وذلك عبر الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية، كما استثمرت إيران في الحوثيين عسكرياً وأمنياً من خلال تدريبهم في إيران ولبنان حسب الرئيس اليمني هادي وتقارير أخرى، فضلاً عن دعم قناة إعلامية تابعة للحوثيين تبث من الضاحية الجنوبية في بيروت.
يرى بعض الخبراء أن هدف إيران الأساسي في اليمن يتمثل في أن تكون دولة رخوة تستطيع إيران أن توظفها في تحجيم الدور السعودي ودول الخليج، كما تشكل لها نفوذاً استراتيجياً على باب المندب معبر الملاحة الدولية. وفي سبيل ذلك، فإن الدعم الإيراني لا يتقصر على الحوثيين، بل أن إيران تدعم أيضاً علي سالم البيض الذي يدعو إلى انفصال الجنوب، ولديه قناة (عدن مباشر-live) التي تبث من جنوب بيروت، كما أنها تدعم جناحاً ليبرالياً في تعز وله قناة (الساحات) تبث من جنوب بيروت أيضاً.
3. الولايات المتحدة الأمريكية: تنظر الولايات المتحدة إلى اليمن من زاوية احتواء "تنظيم القاعدة"، ومن هنا كان التقدير الأمريكي للرئيس هادي الذي استمر بالسماح للولايات المتحدة بحرية التحرك في اليمن ضد "تنظيم القاعدة" سواءً من خلال هجمات طائرات بدون طيّار أو العمل الإستخباري. وباستثناء ذلك، فإن الملف اليمني لا يحتل أولولية في التعامل الأمريكي مع ملفات المنطقة حالياً، بل يبدو أن الولايات المتحدة لا ترغب في تحمل مسؤوليات أكبر، وبالتالي فإن انسحابها سياسياً من اليمن دون بديل إقليمي أو دولي، وفي ظل المرحلة الانتقالية المعقدة في اليمن فسح المجال لإيران في أن توسع نفوذها وتقوي حلفاءها الحوثيين، بل أن تشجع خطواتهم في السيطرة المسلحة على البلاد.
على صعيد آخر فثمة غياب لأي دور للإتحاد الأوروبي في الأزمة اليمنية، فضلاً عن أن دور المبعوث الأممي أصبح مثار جدل بين بعض الأطراف اليمنية التي باتت ترى فيه غطاءً لسيطرة الحوثيين المسلحة على اليمن، خاصةً بعد إشرافه على توقيع اتفاق في القصر الجمهوري المحاصر من قِبَل الحوثيين وفق شروطهم وخلافاً لمخرجات الحوار الوطني.
 داعش والقاعدة: ملامح الصراع القادم في اليمن (مركز الدراسات الروابط) 
ظل الصراع قبل تدخل قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ثنائيا بين الرئيس اليمني والموالين له، والحوثيين وعلي عبد اللـه صالح والموالين لهما. وبقيت القاعدة بتنظيمها الجديد (أنصار الشريعة) في حالة كمون انتظارا لمرحة إنهاك كلا الطرفين المتصارعين، في حين أقدم داعش على تنفيذ عدد محدود من العمليات، لإعلان وجوده على الأرض اليمنية. وبعد النجاحات المتوالية للمقاومة الشعبية مدعومة بقوات التحالف، يفاجأ تنظيم داعش الجميع، بتنفيذ عملية كبيرة استهدفت نسف مقر الحكومة اليمنية في عدن، الأمر الذي يزيد من تعقد المشهد اليمني. فهل ينتقل اليمن إلى طور جديد من أطوار الصراع؟ وما السيناريوهات المحتملة بعد تفجيرات عدن الأخيرة؟
خدع علي صالح الجميع بتطوير علاقات متشابكة مع تنظيم القاعدة، ظاهرها العداء وباطنها التعاون. في سياق سعيه لاستمرار هيمنة أسرته على كرسي الحكم
أولا: تنظيم القاعدة في اليمن ..  وإعادة التمركز
من المعلوم أن اليمن كان المحطة الأولى للعائدين من أفغانستان، لأسباب عدة، أهمها إمكانية الوصول إلى الأراضي اليمنية، وارتباط أسامة بن لادن (وهو سعودي من أصل يمني) بعلاقات وثيقة بالقبائل اليمنية، وقدرته على استمالة هذه القبائل بكل السبل. وساعد على إنجاح عملية التوطين أن عددا كبيرًا من اليمنيين وخاصة من الجنوب، كانوا ضمن المجاهدين في أفغانستان. والمرجح أن القاعدة لم تتمكن من دخول اليمن إلا بعد اتفاق ما بين علي عبد اللـه صالح، وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية.
بعد أن أصبح اليمن الجنوبي المحطة الرئيسية للعائدين من أفغانستان، وطوال الوقت والقاعدة تحرص على توثيق علاقتها بالفضاء القبلي- الشافعي المحيط بها. تمتلك أدوات البقاء ولا تملك أدوات الهيمنة على المجتمع اليمني. ظلت القاعدة ترقب المشهد في أعقاب الثورة اليمنية، دون أن يكون لها تدخل كبير في مجرى الأحداث، ولم تنخرط في الصراع الدائر بين القوات الموالية للشرعية، وقوات الحوثيين وصالح، مكتفية بعمليات محدودة ومتباعدة لتأكيد وجودها.
ويبدو أن علي عبد الله صالح خدع الجميع (اليمنيين، والقوى الإقليمية، والقوى الكبرى) بتطوير علاقات متشابكة مع تنظيم القاعدة، ظاهرها العداء وباطنها التعاون. ففي سياق سعيه لاستمرار هيمنة أسرته على كرسي الحكم، وكما يذهب سمير الشميري في كتابه (سوسيولوجيا الثورة الشعبية اليمنية،2012)، قام بإضعاف وخلخلة الجيش الرسمي للدولة، وسلب قواه وإدخاله في حروب جانبية مع القاعدة وباتفاق معها، وفي حروب ست مع الحوثيين. ثم بدأ في تأسيس قوات موازية (الحرس الجمهوري، القوات الخاصة، الأمن المركزي، الأمن القومي)، تحت إمرة أبنائه وأبناء ابن أخيه وأفراد عائلته. لتبقى هذه القوات بعيدة عن المعارك، محتفظة بكامل عتادها وأفرادها. لذلك حين انقلب على شرعية الرئيس هادي، كان على يقين بأنه يملك القوة على الأرض.
نعود للقاعدة، بعد عاصفة الحزم، فنجد أن التنظيم تمكن بسهولة من ملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الموالية لصالح من مدينة المكلا في إقليم حضرموت، واستيلائه على معدات الجيش في المنطقة بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، وجرى الأمر كأنه عملية تسليم وتسلم للمعدات. وبطبيعة الحال لم يكن ممكنا أن يوسع التحالف جبهة القتال بضرب القاعدة في المكلا.
 
غير أن التنظيم بخبرته، على دراية بأنه لا يمكن أن يؤسس لقاعدة دائمة  في حضر موت، فمعظم الإقليم عباره عن أراض صحراوية. ما يجعله فريسة سهلة في حال تغلب أحد الأطراف في الصراع الدائر الآن في اليمن. والتنظيم يقع  بالفعل في مرمى ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار، التي نجحت في الشهور الماضية من قتل عدد كبير من قيادات القاعدة، أهمهم قائد التنظيم ناصر الوحيشي.
وليس من المنتظر أن تتخلى القاعدة عن إستراتيجيتها في تأسيس الدولة الإسلامية في اليمن، تمهيدا لإعلان الخلافة الإسلامية في جزيرة العرب، وليس من المتوقع أن تنخرط كوادر القاعدة تحت لواء تنظيم داعش المنافس لها. على معنى أن القاعدة، لا بد أنها تخطط مستقبلا لإعادة التمركز في المناطق الجبلية التي يمكن أن تصل إليها. ولديها بالفعل مناطق نفوذ داخل محافظات الجنوب، وربما يشهد المستقبل القريب، تدخل قوات القاعدة في الصراع الدائر إذا حانت الفرصة لذلك.
ولا يخفى  أن وضع القاعدة في اليمن، يختلف عن وضعها في بقية أرجاء منطقة الشرق الأوسط، فمعظم كوادر القاعدة في اليمن من شباب القبائل. ساعد على استقطابهم، غياب خدمات الدولة قبل وبعد الثورة، وتدني الأحوال المعيشية لغالبية السكان، وانتشار الفساد والفقر والأمية في تركيبة سكانية أغلب فئاتها في عمر الشباب. أي أن التنظيم يتمتع بالعصبية الدينية والقبلية في بعض المناطق التي يتواجد فيها. ويجمع في مناطق أخرى– خاصة الشمالية- بين العصبية الدينية والمذهبية والقبلية. الأمر الذي يصعب مهمة الدولة اليمنية -حال استقرارها- في القضاء على هذا التنظيم، والمحتمل أن يظل شوكة في ظهر الدولة لفترات طويلة قادمة. وفي كل الأحوال، فإن من مصلحة التنظيم أن تبقى المواجهات العسكرية بين التحالف والحوثيين وصالح دون حسم، حتى يتمكن التنظيم من ترتيب أوراقه وإعادة التمركز.
ثانيا: تنظيم داعش ... عدو كل الأطراف
مع أن داعش والقاعدة يسعيان إلى تحقيق غاية واحدة، وهي تأسيس الخلافة الإسلامية، فإن الخلاف بينهما قائم على مراحل تحقيق هذه الغاية. فقد حسمت القاعدة أمرها بمواجهة العدو البعيد  أمريكا والغرب وإسرائيل، مع الاحتفاظ بدفع ضرر الاعتداء عليها في حالة العدو القريب الأنظمة العربية. وفي المقابل، ينطلق تنظيم داعش من إستراتيجية تقوم على أن الخلافة لن تقوم إلا بمواجهة كل الأنظمة العربية وغير العربية، حيث يعتبرهم التنظيم كفرة يجب قتالهم وممارسة العنف المفرط معهم لتحقيق تلك الغاية
ولم تسلم قيادات القاعدة من التكفير، فقد اتهمت داعش الظواهري بالكفر العلني لقبوله الديمقراطية عمليا وإقراره الثورات العربية ونهجها السلمي في التغيير. على معنى أن داعش تعتبر نفسها في عداء مع كل أطراف الصراع في اليمن.
توازى مع الصراع الدائر بين الحوثيين والرئيس الشرعي، صراع من نوع آخر بين القاعدة وتنظيم داعش في اليمن، بدأ في إبريل 2013، في أعقاب تنصيب البغدادي لنفسه خليفة للدولة الإسلامية في العراق والشام، وما تبعه من إعلان أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، أن جبهة النصرة هي الممثل الشرعي لتنظيمه في سورية. ولا شك أن التمدد السريع لداعش في العراق والشام وليبيا، شجعه على الإعلان عن ذاته في اليمن. وفي المقابل يواجه تنظيم القاعدة في اليمن عديد المشكلات والأزمات، وأهمها اختراق أجهزة المخابرات الأمريكية لعناصره، ما أدى كما ذكرنا إلى نجاح عمليات استهداف قادة التنظيم خلال الشهور الماضية
اتهمت داعش الظواهري بالكفر العلني لقبوله الديمقراطية عمليا وإقراره الثورات العربية ونهجها السلمي في التغيير. لذلك فإن داعش تعتبر نفسها في عداء مع كل أطراف الصراع في اليمن
في أعقاب تنصيب البغدادي خليفة لداعش، جرت اتصالات ولقاءات بين ممثلي داعش وناصر الوحيشي، زعيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب، لحثه على الاندماج ومبايعة البغدادي، ورفض الوحيشي وجدد البيعة لأيمن الظواهري. وفي المقابل سعى مجلس شورى القاعدة إلى تصعيد وجوه شابة جديدة في مواقع القيادة، لكي يتفادى التفكك والاندماج المحتملين.
خلال الفترة الماضية، أعلنت داعش عن تبنيها لعدد من التفجيرات التي استهدفت المساجد الزيدية، وراح ضحيتها أعداد كبيرة من المواطنين الأبرياء. وربما تطرق البعض إلى فكرة أن داعش تناصر من طرف خفي المقاومة الشعبية اليمنية، بينما تناصر القاعدة من طرف خفي قوات علي عبد اللـه صالح. غير أن التفجيرات الكبيرة الأخيرة التي استهدفت مقر الحكومة في أحد فنادق عدن، تثبت خطأ تلك الادعاءات.
والمتأمل في تفاصيل العملية، يمكن أن يقف على القوة المتنامية التي أصبح عليها تنظيم داعش في اليمن، فالفندق المذكور استهدف بصاروخين، وسيارة مفخخة، وتزامن مع الهجوم انفجار سيارة مفخخة أمام معسكر القوات الاماراتية، وآخر في مسكن يقطنه عدد من موظفي الخدمات الطبية التابعين للهلال الأحمر الاماراتي. عمليات متزامنة بهذا الحجم، وداخل مدينة عدن، تعني أن تنظيم داعش لديه الإمكانات البشرية والمادية، والدعم اللوجستي الكافي لتنفيذ المزيد من العمليات في أي مكان داخل اليمن.
ثالثا: ملامح الصراع القادم في اليمن
ليس أمام اليمن الكثير من الخيارات، فالأمور تتجه نحو الأسوأ، والسيناريوهات المحتملة كالتالي:
السيناريو الأولاستمرار الحرب دون حسم، فعلى الرغم من النجاحات التي تحققها القوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي، فإن دخول داعش، ومن بعدها القاعدة كما هو متوقع إلى حلبة الصراع، سوف يؤدي إلى المزيد من الفوضى وانهيار الدولة. لأن الحسم يستلزم التدمير الكامل لقوة صالح والحوثيين العسكرية، وتقويض تنظيمي القاعدة وداعش، وهو أمر شبه مستحيل.
السيناريو الثانيأن يقبل تحالف صالح-الحوثي، بالمشاركة في مفاوضات تسوية الأزمة التي ترعاها الأمم المتحدة، وعلى أساس وثيقة مخرجات الحوار التي تحقق آمال الغالبية العظمى من اليمنيين، وفي هذه الحالة، يمكن أن تستعيد الدولة تماسكها، وتستطيع التصدي لتنظيم داعش، وتمنع إعادة تمركز تنظيم القاعدة.
السيناريو الثالثأن ينفجر تحالف صالح- الحوثي من الداخل، وتقبل القوات الموالية لصالح بوضع السلاح، والتخلي عن الحوثيين، ويبدو أن هناك مساعي حثيثة لتحقيق هذا السيناريو، مقابل تأمين أسرة علي عبد الله صالح. ما يعني العودة مجددًا إلى أجواء المبادرة الخليجية الثانية لحل الأزمة اليمنية.
السيناريو الرابع: في حال عدم الحسم المتوقعة في الحرب الدائرة، والتكاليف الباهظة التي تتكبدها قوات التحالف، ربما تقبل دول التحالف، بإجراء استفتاء على انفصال الجنوب، ونتيجته معروفة سلفا، ما يؤدي إلى إعلان دولة الجنوب، لتولد وهي في حالة حرب مع شمال اليمن، ومع تنظيم القاعدة في ساحل حضرموت. بينما يقع اليمن الشمالي بين شقي الرحى. ويبقى المواطن اليمني شمالا وجنوبا هو الخاسر الأول والأخير

الفتنة نائمة لا خير في من أيقظها:
حتى لا نجعل من صنعاء كعبة لأبرهة واستهدافا لقبلتنا.
 إن اليمن أشد ما هي بحاجة إلى تجسيد الحديث الشريف  لقوله صلى الله عليه و سلم "الحكمة يمانية والإيمان يمان".
إن ثلاثية بناء المجتمعات العربية بعد خروجها من العصر الجاهلي لا بد أن تواكبها ثورة فكرية تنئ بها من مربع القبلية واشكاليات ما وضعها فيه عالم الاجتماع ابن خلدون من اقتصار تحركها في مثلث القبيلة والعصبية والغنيمة.
فبدون تجاوز معظلة الخلاف والإختلاف والتعصب الفئوي والمذهبي والمناطقي وتضخم الأنا واستعداء الآخر و تغلب العواطف على العقل والإستنباط والإبتكار والخلق والإبداع سنكرس تبعيتنا وتحكم القوى الخارجية في مصائرنا ووجودنا ككيانات فاعلة.
أتى الربيع العربي ليشعل فتيل الفتن والنزاعات الكامنة و ليقوض أركان كيانات وطنية متداعية تجاوزت مقارباتها ما يحاك حولها جهويا و دوليا ويفوق قدرتها على استيعابها دون التحكم في مجرياتها.
فإذا ما كانت العصبية مطلوبة فإن إعمال العقل والتعقل واستيعاب روح العصر ومجرياته 
فإذا ما كانت العصبية مطلوبة فإن إعمال العقل والتعقل واستيعاب روح العصر ومجرياته في ما تمثله من بناء التجمعات الإقتصادية والسياسية والكيانات الإقتصادي العابرة للدول والقارات شرقا وغربا والعمل على بناء أمن جماعي وتطوير منظومات العلم والمعرفة.
تتشضى الساحة العربية الإسلامية إلى فرق ونحل ومذاهب ومتاعب لا طائل من ورائها سوى الإنقسام والمخالفة والإختلاف . وقد استبدلنعوضا عن بذور التضامن والتآزر بذور  الفرقة والتطاحن بما يأتي على المكاسب.
ما أحوج العالم العربي واليمن خاصة لرحلة يمنية جديدة تدعو للوحدة والتآخي ونبذ الفرقة والتحارب، لنسير على خطى الثعالبي ومفكرينا وباحثينا من ابن خلدون والطاهر بن عاشور وهشام جعيط وغيرهم من الباحثين ممن نبه الأمة لمخاطر تجدد الفتنة ودعوتهم لمغادرة سقيفة بني ساعدة والإقتتال والتطاحن حول الخلافة ومن احق بها بين سنيينا وشيعتنا.
لقد كانت مخرجات الحوار اليمني بين مختلف مكونات المجتمع المدني والأحزاب والهيئات قد أتت بحلول مدروسة لحل معظلات الماضي والتفرقة وخاصة من بينها قضية صعدة والجنوب جديرة بتجاوز الموروث الصدامي ولبناء التكامل الوطني.
الإيمان يمان والحكمة يمانية: اليمن يتطلع لتضميد جراحه ولوضع حد لمأساته فلتتضافر جهود حكمائه وأقطابه وإلى تضامن المجتمع الدولي ومبادرات أصحاب مساع حميدة وتحكيم فرقائه لإخراجه من الأزمة التي تردى في تبعاتها وخصومات فرقائه.  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire