II-البنية الطبقية للمجتمع اليمني:
يتميز المجتمع اليمني بتنظيمه و تركيبته القبلية الطاغية وتأثيرها في كافة
مناحي الحياة السياسية كما للأعراف القبلية مكانتها في ترتيب العلاقات بين الافراد
والمجموعة و يحتكم الجميع لمقتضياتها وقواعدها لفض النزاعات و تراتيب المعاملات
التجارية والمدنية.
الحوثيون أزمة عنصرية طبقية قبل أن تتعقد بالمذهبية:
تنحدر القبائل اليمنية والعرب، عموما من جدين هما "قحطان" أبو العرب العاربة أو عرب الجنوب، و"عدنان" أبو
العرب المستعربة أو عرب الشمال . وقد اكتسى هذا الإزدواج السلالي بين
القحطانيين والعدنانيين طوال قرون عديدة بعدا تنافسيا في الصراع على السلطة التي
ظلت ما يزيد على ألف عام من تاريخ اليمن حكرا على فئة السادة. وكان يجري اختيار
الأئمة من أوساطهم حسب مقتضيات النظرية السياسية الزيدية حتى اسقاط النظام الملكي
الإمامي في اليمن الشمالي سنة 1962.
هذا الإحتكار العدناني للسلطة كان مبعث استياء مشايخ القبائل والأعيان
والقضاة المنحدرين من أصول قحطانية، فهؤلاء يرون في أنفسهم السكان الأصليين
للبلاد" خلافا للسادة القادمين من شمال الجزيرة العربية في مرحلة مبكرة من
عصر الإسلام.
وقد تحول استياء شيوخ القبائل في مرات عديدة إلى حركات تمرد فاشلة لإسقاط
السلالة الحاكمة والمشاركة في السلطة، أو انتفاضات تعبر عن رفض بعض الإجراءات التي
كان النظام الإمامي يحدثها.
كما قامت قبائل حاشد وبكيل الزيدية بالتمرد، كان من أبرز هذه الحركات
القبلية سنة 1959 التي كانت ترمي إلى خلع الإمام وانشاء دولة على النمط الجمهوري،
وقد انتهت الحركة إلى الفشل بعد اعدام الشيخ حسين الأحمر شيخ شيوخ قبائل حاشد
وابنه الأكبر.
ولم ينفرد المشايخ وحركة الضباط
فحسب بمحاولة إزاحة الإمام يحيى بل كان والد عبدالملك بدرالدين الحوثي قائد التمرد
الحالي قد ادعى الإمامة في عهد الإمام
يحيى وبويع فيها و تم سجنه...كما ادعى الإمامة بعد قيام الثورة في 26 سبتمبر وقاتل
الجمهوريين في صعدة وانتصرت الثورة والجمهورية عليهم...
وترتب عن إزاحة الإمامة من الحكم تبدل جوهري في مواقع الأدوار السياسية.
فقد تنامى الدور السياسي للقبائل اليمنية التي كانت خاضعة شكليا
"للإمام" لكنها في الحقيقة ظلت ذات استقلال كامل تجاه السلطة المركزية
طيلة فترة حكم الأئمة.
العوامل الاجتماعية للأزمة اليمنية:
تتحدد التراتيب الاجتماعية للفئات والشرائح الاجتماعية اليمنية حسب مجموعة
أسس للتراتب أهمها: المنحدر الأصلي أو علاقة النسب والوراثة، والمكانة الدينية،
وطبيعة الحرفة والمهنة.
أشار الباحث التونسي عبد اللطيف الأدهم
إلى أن دراسة التنضيد الاجتماعي للمجتمع اليمني قد حظيت باهتمام دراسات سابقة
استعانت إما بالمقاربة الجدلية أو البنيوية أوالوظيفية. وقد استند بحثه حول"
الأنتلجنسيا اليمنية النشوء والتطور(مقاربة سوسيولوجية) في علم الاجتماع قدمه في
أطروحته لنيل الدكتوراه على دراسات سابقة مثل فضل أبوغانم، و قايد الشرجي وبوجراBujra و سارجانت Sarjent وغيرها قامت بتصنيف الشرائح الاجتماعية اليمنية
إلى ثلاثة شرائح وهي العليا والوسطى والدنيا.
1-
الشرائح العليا: تشمل
السادة والقضاة والمشايخ وتتميز بالإستحواذ وإن كان بدرجات متفاوتة على السلطات
السياسية والدينية والنفوذ الاجتماعي. كما تتميز بالمستوى الاقتصادي الجيد بشكل
عام.
وتحتل شريحة السادة التي من بينها الحوثيين، من
حيث مكانتها الإجماعية، المرتبة الأولى في نظام التراتب الاجتماعي. واستمد أفراد
هذه الشريحة الاجتماعية مرتبتهم من نسبهم الذي يعودون به إلى ابنى الحسن والحسين.
أما شريحة القضاة التي تلي شريحة السادة في نظام
التراتب الاجتماعي فهي شريحة متعلمة حظيت بتعليم تقليدي عال من القحطانيين مقابل
شريحة السادة العدنانيين باستثناء بعض الحالات التي ترجع فيها عدد من عائلات
القضاة بأصولها السلالية إلى قبيلة قريش العدنانية.
ويحتل المشايخ أو الزعامات القبلية المرتبة
الاجتماعية الثالثة في نظام التراتب الاجتماعي. و يستمد هؤلاء مرتبتهم الاجتماعية
من "الزعامة الوراثية" و من أصلهم السلالي القحطاني.
2-
الشرائح الوسطى:
وتمثلها شريحة "القبائل" وقد كانت شريحة القبائل تحتل المرتبة الرابعة
في نظام التراتب الاجتماعي لكون أفرادها لا يعودون بنسبهم إلى الأصل السلالي
العلوي و منه إلى البيت النبوي (حالة أفراد شريحة السادة)، و يفتقدون الرأس مال
الثقافي(حالة القضاة)، والدور السياسي (حالة المشايخ) ولكونهم ظلوا يحتفظون
بانتمائهم إلى خط نسبي يعودون به إلى جدهم الأول قحطان.
3-
الشرائح الدنيا: و يضم
هذا القسم شرائح ناقصي الأصل، واليهود والأخدام الذين يأتون في المرتبة السابعة
والأخيرة في نظام التراتب الاجتماعي.
وهذه الشرائح هي التي تمارس عادة حرفا ومهنا
تقليدية أو تقدم خدمات للآخرين والتي تواجه باحتقار من بقية الأقسام كالدباغة،
والحياكة، والصباغة، والحلاقة، والحجامة، والجزارة، و صيد الأسماك.
وتحتل شريحة ناقصي الأصل المرتبة الخامسة T. Gerhomكما ذكر عبد اللطيف
الأدهم في أطروحته عن جرهوم تتكون هذه الشريحة من أفراد انقطعت روابطهم القرابية
القبلية عبر عمليات الإقصاء المختلفة من صفوف وحداتهم القبلية.
و رغم انتماء اليهود الذين يحتلون المرتبة
الاجتماعية السادسة في التراتب الاجتماعي إلى أصل عربي قحطاني إلا أن المدخل
الديني يظل رئيسا لهذا الترتيب إضافة إلى معياري التمايز الاجتماعي والإقتصادي.
التركيبة القبلية والتعددية السياسية:
لعبت القبائل اليمنية دورا مركزيا و فاعلا في
الحياة الاجتماعية و السياسية لليمن و أدى التباين في واقع القبلية و دورها في
الحياة السياسية لكلا الشطرين إلى تباين في الأحكام القيمية والأخلاقية لمدلول
القبيلة في الوعي الجماعي لليمنيين تبعا لاختلاف الموروث السياسي والثقافي الناشئ
في وجدان المواطنين عن القبيلة و موقفهم منها.
مفهوم القبيلة وخارطة التعدد القبلي:
يختلف الشعور بالإنتماء القبلي في اليمن، و
بالتماسك الاجتماعي قوة و ضعفا تبعا لاختلاف المناطق والجهات على امتداد البلاد.
يعُدُّ شمال اليمن ثلاث تجمعات كبيرة من القبائل وهي
حاشد و بكيل و مذحج، كما جنوب اليمن
قبائل امتداد لمذحج و قبائل تتمسك بشكل لافت لعزلتها، خاصة قبائل يافع.
قدر باحثون يمنيون وباحثون عرب عدد القبائل في
الشمال وحده بما يزيد عن 160قبيلة كبيرة منها 140 قبيلة تتوزع المناطق الجبلية و
27 تقطن المناطق الساحلية و تهامة. و بالإمكان القول حاليا أن القبائل اليمنية
أصبحت من الأطراف السياسية الفاعلة في الحقل السياسي اليمني منذ أن بدأ حضورها
السياسي في التنامي منذ الستينات. وقد قبلت القبائل الشمالية القوية خاصة قبائل
حاشد وبكيل الخضوع التدريجي للسلطة المركزية للدولة طوال الثلاثة عقود الأخيرة. إن
استقلالية القبائل وشمولية أعرافها تظل عائقا أمام بناء الدولة القانونية الحديثة،
و أمام ازدهار الديمقراطية بالتالي.
الواقع، رغم هذا الإنخراط التدريجي للقبيلة في
مؤسسة الدولة فإن التحفظ من دور القبائل في المجال السياسي، رغم هذا الإنخراط
التدريجي للقبيلة في مؤسسة الدولة فإن التحفظ من دور القبائل في
المجال السياسي اليمني يصل لدى أصحابه إلى درجة الرفض، والعداء أحيانا، بسبب اتسام
القبيلة في اليمن بغلبة طابع الغزو على الطابع المدني، فمعظم الخصائص الثقافية
والسياسية والإجتماعية للبناء الاجتماعي القبلي المعاصر في اليمن هي امتداد للبناء
الاجتماعي القديم والحديث، مما يعني استمرار الأنماط الثقافية والإجتماعية التي
كانت تتميز بها الحياة اليمنية القديمة. وقد ساعدت هذه الإستمرارية على مدى قرون
عديدة على المحافظة على طابع اقتصاد الغزو وأسلوب الإنتاج الحربي لدى القبائل، و
نتيجة لهذا فليست "التنظيمات القبلية اليمنية ذات طابع مدني".
ويزيد من خطورة الوضع القبلي المتسم بالصفات
السابقة الحقيقتان التاليتان،
أولا: الإنتشار الواسع للأسلحة لدى القبائل خاصة
منها "القاطنة في المناطق الشمالية والشرقية محدودة الدخل(يوجد في اليمن 50
مليون قطعة سلاح بمعدل أربع قطع لكل ساكن) والتي ظلت تمثل وحدات قتالية محاربة
أكثر بكثير مما كانت عليه الجماعات الفلاحية والمدنية في المناطق الأخرى التي كانت
تخضع للسلطة الإدارية والمركزية للدولة غير أن هذه القبائل تتباين من حيث أعدادها
وثرائها وتسليحها.
الحقيقة الثانية: استقلالية القبائل و عدم
احتكامها للقانون "لكونها فوق القانون، وإنما تحكم بالأعراف "المتميزة
بخاصيتها وشموليتها معا. إنها فوق مؤسسات الدولة التي تمنح الحكم شرعيته، وفوق
الأحزاب السياسية، فالعشيرة هي صاحبة الحق والسيادة، ولا تعترف بسيادة أحد
عليها"(الخوري فؤاد إسحاق: السلطة لدى القبائل اليمنية.)
إن هذا الأمر في أحد جوانبه يفسر أن انخراط
الفلاحين في الأحزاب السياسية(يكون) أكثر من رجالات القبائل الذين يتعاملون مع
الدولة و كأنهم دويلات مستقلة.(الخوري) ففي انبعاث القبلية اضعاف لسلطة الحكم
المركزية، ومن ثمة لهيمنة الدولة.
لكننا رغم هذا نجد أن للقبيلة في اليمن خصوصية
تلطف من حدة طابعي الإستقلالية والغزو اللذين وردا في الأطروحات السابقة.
القبلية و خصوصية التعايش مع الديمقراطية
التعددية:
تمثل القبائل أحد الأسس الاجتماعية التي تقوم
عليها مؤسسات التعددية السياسية في اليمن دون أن يعني هذا أن القبائل ليست ممثلة
ضمن التكوينات الاجتماعية للأحزاب القائمة على التيارات الفكرية الإيديولوجية أو
الجماعات أو الأفراد أو المؤسسات.
وحسب ما أسلفنا فإن تطور القبيلة السياسي قد انتقل
إلى الطور الحزبي مواكبة للتطور السياسي للبلاد، و عليه يمكن الإستنتاج أن التقابل
المفترض بين القبيلة وبين الدولة والديمقراطية لا يبدو حادا. فالعلاقة بين هذه
الأطراف الثلاثة تتطور باستمرار لصالح السلطة المركزية والتجربة الحزبية التعددية.
- وقد
لوحظ أنه كلما تمكنت الدولة من توفير البنية التحتية من الخدمات للمناطق القبلية
أمكن ادماج قبائل هذه المناطق بسهولة في إطار السياسة العامة للدولة خاصة وقد
أصبحت القبائل تطالب بإلحاح بتواجد الدولة وخدماتها في مناطقها.
-تراجع قدرة القبائل اليمنية في لعب دور حاسم في
السياسة الوطنية في الوقت الذي تتنامى فيه القوة العسكرية والإقتصادية للحكومة
-اكتست المؤتمرات القبلية طابعا مدنيا خلال
الأزمات السياسية الحادة. و يذكر فؤاد الخوري من أن عدم وجود هيكل سياسي أو إداري
موحد لجميع فصائل القبائل يجعلها في الواقع "نادرا" ما تقوم بعمل جماعي
عام في حالة الغزو والحرب".
-استنتج بول دريش انطلاقا من تفاوت الولاءات
الحزبية في نطاق المؤتمرات القبلية أن "القبيلة تبدو وسيلة لكبح الإسراف في
النزاع الحزبي، وتسمح في الوقت ذاته للفرد بان ينتمي بحرية إلى الأشكال الأكثر
اتساعا للعمل السياسي على الصعيد الوطني.
-قد يظل الترابط قائما بين طابع الغزو الذي يميز
القبائل الشمالية والشرقية أساسا وبين محدودي الدخل لهذه القبائل، بسبب شحة مصادر
دخل حديثة وثابتة.
شهد عقد الثمانينات تبلور توجه مشايخ قبائل نافذين
إلى قطاع الأعمال التجارية والإقتصادية وبداية ظهور طبقة من رجال الأعمال في أوساط
هؤلاء المشايخ منفتحة على التنظيم العصري للمجتمعات.
إن خصوصية القابلية للتكيف الاجتماعي والسياسي لدى
القبائل اليمنية يدفعنا لاستعارة مفهوم "القبيلة السياسية".
وبناء على هذا المفهوم تنتقل القبلية من القالب
الأثنوغرافي إلى القالب السياسي الشرعي، لتشكل مع الدين أساس الشرعية التقليدية
للأنظمة الحاكمة في هذه البلدان.
مشاركة القبائل للجيش في مهامه:
تاريخياً ، كان الجيش اليمني بحاجة دائمة إلى دعم
المليشيات القبلية أو ما أصبحت تعرف باسم (اللجان الشعبية) في حروبه الداخلية
والخارجية، وعندما قامت ثورة 26 سبتمبر في الشمال لم ترث الدولة الوطنية عن المملكة
الإمامية جيشاً وطنياً قوياً ، أيقن رجال القبائل وشيوخها أن استمرار أدوارهم
السياسية يتحدد في ضوء ما تتخذه الدولة من إجراءات في مجال بناء جيش قوي محترف وذي
طابع مؤسسي لذلك ساهموا في تعويق مؤسسة
الجيش، وإبقائه في حالة ضعف، وهو ما جعل الدولة بحاجة دائمة للاستعانة بالجيش
الشعبي القبلي ولم يتم بناء جيش قوي قادر على خوض الصراعات والحروب بنجاعة.
لتعزيز مكان مشائخ القبائل في السلطة أنشأ علي عبد الله
صالح في الثمانينات "مصلحة شؤون القبائل" لتقوم بنفس دور وزارة
شؤون القبائل التي ألغاها الرئيس المغتال إبراهيم الحمدي في تنظيم توزيع الأموال على النخب القبلية، وأسس لها
فروعا في كل محافظات اليمن، خلال حرب صيف 1994 كان للجان الشعبية دور هام في دعم الوحدات العسكرية
الموالية للوحدة ولعلي عبد الله صالح، في معاركها ضد الوحدات العسكرية الموالية
لنائبه علي سالم البيض،
وبعد الحرب عممت "مصلحة شؤون القبائل" على المحافظات الجنوبية واعتمد
للمدن والأحياء مشائخ وعقال حارات وهو ما لم تعرفة تلك المدن والمحافظات من قبل
على الإطلاق .
أستعان الجيش بالمليشيا القبلية في حروب صعدة الستة ضد المليشيات
المتمردة "جماعة الحوثي" في
محافظتي صعدة وعمران خلال الأعوام "2004 - 2009" واستعانت
الحكومة بها مرة أخرى في محاربة تنظيم القاعدة وتم تشكيل فرق قبلية داعمة للجيش في مواجهة تنظيم
القاعدة في 2010 في محافظة شبوة ومرة أخرى في محافظة أبين في الفترة "2011 - 2012"، حيث تمارس اللجان الشعبية في مناطق جنوب اليمن خاصة في محافظة أبين دورا كبيرا في دعم
الجيش لمحاربة القاعدة وبعض الأوقات تخوض المعارك بديلاً عنه.
في مقابل دعم المليشيات للنظام في حروبة خلال العقود
الأخيرة من القرن العشرين، منح النظام شيوخ
القبائل أموالاً وأراضي وسيارات وعقارات، ومنح بعض شيوخ القبائل رتب عسكرية،
ودرجات وظيفية في الجهاز الإداري للدولة، وخلال تلك الحروب حصلت القبائل على كمية كبيرة من
الأسلحة، وتكتسب مشاركة المليشيات القبلية في الحرب الأهلية عام 1994 أهمية خاصة في هذا المجال، فقد حصلت على كميات كبيرة من
الأسلحة من الوحدات العسكرية الموالية للرئيس علي عبد الله صالح آنذاك ، وغنمت
كميات أُخرى من أسلحة الوحدات العسكرية الموالية لنائبه علي سالم البيض بعد هزيمتها، إلى درجة أن مخزونها من الأسلحة الخفيفة يفوق مخزون الحكومة، فقد قدر مخزن الحكومة من الأسلحة
الخفيفة بحوالي 1,500,000 قطعة سلاح بينما قدر ما بيد القبائل بأكثر من 5 مليون
قطعة سلاح .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire